حمد الصبحي
ما أجمل الصباح حين يزهر بياضه، والبيت الصامت كحديقة تزهر بالصباح، هذا الصباح العذب وهو يتسلل إلى البيوت الدافئة بناسها وبالذين يعملون في صمت، التحية لهم، لأولئك الذين يعملون في زوايا الصمت، عمال المنازل ومن يشبههم، وجوه لا تراها الأضواء لكنها تضيء البيوت من الداخل، كشموعٍ تذوب لتمنح غيرها الدفء والاستقرار. إنهم خيوط غير مرئية في نسيج المجتمع، لولاهم ما استوت تفاصيل الحياة على هدوئها.
إذن هم مكون حقيقي لتفاصيل البيت ومحيطه، في الداخل ظلال وطن صغير، وفي الخارج حدائق غناء، في المدينة، وفي الصحراء، وفي القرى، في زوايا المكان العماني، تجد العاملات "إنهنّ نساء يُغادرن أوطانهن ليصبحن أوطاناً صغيرة لغيرهن، في الغربة يُربين ويخدمن ويُربطن خيوط الاستقرار"، وكذلك الرجال العمال، الذين يسهرون على راحة السكان كحراس في الليل، وفي النهار، ومربي الإبل وسائسي الخيل والمزارع والممرض والطباخ، وغيرهم من هذه المهن الدنيوية.
الرؤية العُمانية لم ترَ فيهم ظلاً عابراً، بل ركنًا أصيلاً في معمار سوق العمل. علاقة تُبنى على تعاقد عادل، وعلى حقوق مصونة، وواجبات متبادلة، حيث العدالة أساس، والكرامة الإنسانية وجهة وبوصلة.
فالراتب الذي يصل في موعده ليس رقماً في دفتر، أو في حساب، بل اعتراف بالجهد، والسكن اللائق والرعاية الصحية ليست رفاهية، بل لغة إنسانية صافية تعبّر عن قيم عُمان ووجهها المشرق في العالم، وحين تُكسر قيود الممارسات السلبية، يصبح العقد بين العامل وصاحب العمل وثيقة ضوء لا وثيقة حبر.
وحين يُطمأن العامل، يطمئن البيت، ويتحوّل الاستقرار النفسي إلى إخلاص في العمل، ومن الطمأنينة تنبت شجرة الأمان الاجتماعي. فالإنصاف هنا ليس مجرد عدالة، بل استثمار في حياةٍ أكثر ثباتاً، وتشريع يمد جسوراً بين القانون والإنسان.
وعلى المسرح الدولي، يعلو صوت عُمان وهي تحدّث قوانينها وتستجيب لمعايير العالم، فتمنح نفسها مكانة رفيعة، وتعكس للعالم صورة التوازن بين البعد الوطني والبعد الإنساني.
صحيح أنَّ الطريق ليس خالياً من التحديات، لكن الخطوات العُمانية ثابتة، تتدرّج بوعي، تراكم خبرةً وتفتح أفقاً، لتقول إنَّ التنمية ليست أرقاماً وحسابات، بل كرامة تشمل كل يدٍ تعمل، وكل إنسان يسهم في بناء البيت الكبير: الوطن.
إنِّها رسالة حضارية بليغة: لا استقرار بلا إنصاف، ولا ازدهار بلا كرامة، ولا مستقبل يضيء إلا إذا كان الإنسان – أي إنسان – هو الغاية والجوهر.